اللغة والكتابة الأكاديمية: كيف طورت كتابتي باللغة الإنجليزية بالرغم أنها لغتي الثالثة؟

اللغة والكتابة الأكاديمية: كيف طورت كتابتي باللغة الإنجليزية؟ / د. أريج مواسي

أهمية التواصل باللغة الإنجليزية أكاديميًا ينبع من أهمية نشر البحث الأكاديمي والتواصل العلمي مع باحثين وباحثات حول العالم. بالرغم من كونها لغة تعبر عن هيمنة شمال غرب العالم، إلا أننا في عالم ما زالت هي لغة أساسية للتواصل والنشر. ودون هذا التواصل لا يمكن لأي باحث/ة التقدم علميا. على سبيل المثال، يمكن لباحث مبتدئ التنظير عن هيمنة صيرورة التحكيم العلمي وأهمية مساحات المعرفة البديلة، ولكن كل ذلك عبث إذا ما أراد التقدم أكاديميًا في البحث العلمي، إذ أن النشر في مجلات أكاديمية محكمة علميا ولها جودتها هو الأساس في التقدم في البحث العلمي، والتقدم هنا، أعني به بناء مشروع فكري ذو زخم معرفي، لا النشر في سبيل الكم أو التقدم في سبيل الرتب. 

اللغة الإنجليزية هي لغتي الثالثة. وإذا تعاملنا مع اللغة العربية العامية والفصحى كل كلغة فالانجليزية هي رابعة بالنسبة لي. ومع ذلك التمرن المستمر على استخدام اللغة سواء بالعمل أو التواصل اليومي من خلال الثقافة (أغاني، سوشال ميديا، تطبيقات)، ساعدني في استيعاب اللغة أكثر. تواجدي في الولايات المتحدة ليس العامل الأساسي الذي ساعدني في الكتابة. وصلت الولايات المتحدة ببنية كتابة جيدة جدا نسبيا بسبب خلفيتي في التدوين (نعم، قبل عصر الانستغرام والمؤثرين/ات)، كانت لغتي الانجليزية جيدة، وليست جيدا جدا أو متفوقة.  فلذلك كان علي تطوير مهارات كتابية أكاديمية من حيث البنية والقواعد واللغة. وكان علي أيضًا تطوير تفكيري باللغة الإنجليزية والتحدث بها. 

كل ذلك لم يكن بأسلوب يبحث عن الكمال في التواصل أو القواعد. كنت متصالحة مع التكسيرات التي أقوم (ومازلت) بها كلامًا وكتابة. نعم، كثير من الأحيان تحد اللغة الانجليزية من قدرتي على الإنتاج الكتابي والتعبير، ولكني أعمل على الاستمرار بالتعلم وتطوير مهاراتي الكتابية واللغوية سواء بها أو بلغات أخرى.

نشرت حتى الآن العديد من المقالات في المجلات المحكمة ومنشورات المؤتمرات المحكمة باللغة الانجليزية. يمكنني العودة لها بنظرة انتقاد، ولكنها بالنسبة لي تعبر صيرورة وسيرورة نمو وتعلم مستمرين. هناك مقالات نشرت بعد سنوات من الكتابة والتحرير والتحكيم. 

الكتابة هي عالم. وهذا العالم بحاجة لتمرن وصقل مستمرين.  هذا ما قلته أيضا سابقا في مادة – كيف تكتب أطروحة؟. لا يمكن حصر عالم الكتابة فيما أعرضه هنا. كذلك، في ظل استمرارية الفردانية في الأكاديميا، هناك حاجة أن تكون هناك مجموعات لباحثين/ات وكتاب أكاديميين/ات تكون بيئة للكتابة والمواظبة عليها وتبادل الآراء حولها. أذا كنتم/ن طلابا وطالبات، كونوا حلقات الدعم هذه بينكم/ن.  

أحاول دائما تطبيق ما أعمل به في “علوم التعلم” لتحسين طرق تعلمي وتفكيري. ومنها تعلمي للكتابة، خاصة باللغة الانجليزية.

أمثلة لبعض من الاستراتيجيات التي ساعدتني في تطوير كتاباتي باللغة الإنجليزية الأكاديمية:

  1. خلال دراستي للدكتوراة كنت اختار مساقات تجبرني ضمن مهامها على الكتابة بكثافة لأن ذلك يعني المواظبة والانضباط بالنسبة لي. فأنسق بين تطوير تذويت المفاهيم لما نتعلمه والكتابة حولها وكذلك ربطها باهتماماتي البحثية أو تجارب حياتي المتعلقة بمساري العلمي. على سبيل المثال،أهم المساقات التي أثمرت لاحقا عن نشر مقالات لي، كان مساقا في الكتابة الأكاديمية وقد صمم خصيصًا لتطوير مهاراتنا في الكتابة كطلاب. كل أسبوع كان علينا تقديم نص من 300 كلمة للمراجعة مع البروفيسور ديفيد كارلسون وزملائنا. فكنا في بيئة تعلم تحفزنا على تقبل النقد والتعلم منه. وكانت مساحة لتطوير قدرتنا على الكتابة الأكاديمية المتنوعة.
  2. أدركت وتقبلت أني بحاجة لتطوير لغتي الانجليزية، لذلك اخصص وقتا دائما للقراءة من أجل تعلم بنية الكتابة الأكاديمية لباحثين/ات احب طريقة كتاباتهم. هذه القراءة تعني ان انتبه للبنية التي يكتبون بها المقال والفقرات والجمل وطريقة سردهم لنتائج بحثهم.
  3. تطوير المعجم الأكاديمي من خلال الاطلاع على كلمات ومصطلحات متكررة في الكتابة الأكاديمية وتدوينها.
  4. تفكيك المقالات وأنواعها وأقسامها للتعرف على كيفية كتابة كل قسم. على سبيل المثال، تختلف المقالة النظرية عن الدراسة المبنية على بحث ميداني، ويختلف البحث الكمي عن النوعي.
  5. إنشاء وتطوير ملف اسميته writing toolbox ، أضيف له أدوات وصندوق كلمات واقتباسات أجدها مفيدة جدًالتطوير وتذكر استراتيجيات في الكتابة الأكاديمية واعود بشكل متكرر لهذا الملف للتمرن على لغتي. مثلًا،ضمن ما أجمعه هو بنية لجمل وبدايات لها، اسميها sentence starters. 
      • مثلا، هنا رابط لأداة تشرح بشكل عام بنية لمقالة أكاديمية (U-shape)
      • هنا رابط لأداة خارطة ذهنية تشرح كتابة الـ literature review
      • هنا رابط لأداة تحتوي أمثلة لكلمات متكررة في الكتابة الأكاديمية
      • مثال لتخطيط Gantt-chart لتنظيم المهام والمشاريع
      • وهنا جدول اتبعته سابقا لتوثيق مهام كتابتي
  6. القراءة التفاعلية مع النصوص كطريقة لتطوير اللغة بحيث أدون ملاحظات خلال القراءة يدويا وأعلم الملاحظات المهمة وأحاول التدقيق في الادعاءات الموجودة في المواد التي أقرأها وطرق البحث المعتمدة وأحاول خلال قراءتي الخروج بأسئلة أكثر مما أخرج بمحتوى مقتبس. أقوم بذلك باللغة الانجليزية أيضا. أقوم أحيانا بإعداد خرائط ذهنية للمصطلحات الأساسية في المادة التي أقرأها.
  7. التصالح مع عدم كمال لغتي الانجليزية وتكسيري وعدم قدرتي المتكاملة على التعبير كتابة، ومع ذلك التعلم المستمر للقواعد. مثلا، كان هناك نقلة نوعية في كتاباتي عندها اصبحت ادرك اهمية الكتابة بـ active voice، أو الانتباه لاستخدام الفعل الماضي والمضارع بتناسق عبر النص. مثلا، عادة طرق البحث تعبر عن شيء حدث وقد تم، فمم المهم كتابته بالفعل الماضي. ولو أن هذه أمور بسيطة إلا أن إدراكها كتابيا يحتاج تواصلًا مستمرا مع التحرير.
  8. الاطلاع المتواصل والعودة لكتب حول الكتابة الأكاديمية، والتمرن من خلالها، منها: 
  • Graff, G., Birkenstein, C., & Maxwell, C. (2014). They say, I say: The moves that matter in academic writing (p. 245). Gildan Audio.
  • Sword, H. (2016). The writer’s diet: A guide to fit prose. University of Chicago Press.
  • Sword, H. (2012). Stylish academic writing. Harvard University Press.
  • Goodson, P. (2016). Becoming an academic writer: 50 exercises for paced, productive, and powerful writing. Sage Publications.
  • Silvia, P. J. (2018). How to write a lot: A practical guide to productive academic writing. American Psychological Association.
  • Bailey, S. (2017). Academic writing: A handbook for international students. Routledge.
9. الاطلاع على الخطاب (discourse) الموجود في مجالي البحثي  من خلال السوشال ميديا، سواء على انستغرام أو تويتر او يوتيوب او قراءة تدوينات. والاستماع أيضا لمحاضرات أو محادثات بودكاست متاحة في أوقات مختلفة، مثلا أثناء المشي الطويل او القيادة او الانتظار في دور. هذا التفاعل مع موضوع اهتم به يجعلني انكشف أكثر لعالمه اللغوي والخطاب المتداول به وطريقة صياغة الادعاءات حوله.

10. الكتابة بالانجليزية بالرغم من كل التكسير وعدم اتباع الترجمة أسلوبًا إلا إذا لزم الأمر معرفيا. مثلًا، هناك أفكار ومصطلحات لا يمكن التعبير عنها متكاملة باللغة الانجليزية، لذلك أكتبها وأضعها باللغة العربية، هذا برأيي يخلق أيضا مساحة للحوار المعرفي من خلال اللغة ومميزاتها.

11. استخدام خرائط ذهنية للمصطلحات وبنية المقالات وربطها للتذكر، وكذلك عند قراءة الكتب الاطلاع على صفحة الـindex والعناوين ومسح المصادر للاطلاع على مصطلحات ومفاهيم متكررة في نص الكتاب. هنا رابط حول استخدام هذه الأداة. كذلك فإنني استخدم بشكل دائم أوراق كتابة الملاحظات الملتصقة لتذكر ملاحظات مهمة أريد العودة لها (postit notes).

Post It Notes Strips - Free photo on Pixabay

12. محاول التواصل حول موضوع البحث بلغات مختلفة يساعدني على التفاعل معها وتطوير قدرتي على بناء الإدعاءات. أجد منفذا لذلك من خلال المحاضرات التي القيها لجمهور متنوع سواء في الأكاديميا أو خارجها وكذلك تنوع الكتابة.

هناك أيضا أدوات أخرى اتبعها للتعامل مع الكتابة والنشر الأكاديمي، تتعلق بالروتين والعامل النفسي، لا اللغة، ولكنها تساعدني بشكل ثابت في تطوير مهارات اللغة والكتابة والمواظبة عليها:

  1. اتباع روتين كتابي قدر الإمكان للكتابة الأكاديمية، بحيث أخصص وقتا للكتابة، القراءة، التحرير، الرد على التحكيم، كتابة أفكار ، ترتيب الأفكار ، تحديد أهداف كتابة وقراءة للمدى القريب والبعيد. يبدو ذلك كثيرًا ،ولكنه ساعدني على المواظبة. هل اتبعه دائما؟ لا. أحيانًا ظروف الحياة تصعب من ذلك، وحين يحدث ذلك أحاول تنويع مواد كتابتي، فمثلا ليس شرطا الكتابة حول البحث من خلال مقال أكاديمي علمي، يمكن لي تدوين أفكارا للنشر في منصة على الإنترنت.
  2. وضع تاريخ محدد لإنهاء مهام متعلقة بالكتابة وتسليمها والالتزام به. وتسليم المقالة حتى لو لم تكن بمثالية أرغبها.
  3. التعلم من الرفض وتقبل ملاحظات التحكيم لتحسين الكتابة والتعامل مع ادعاءات التحكيم كنوع من الكرم. بمعنى، هناك تعليقات قد تكون حادة تجاه المقالة، ولكن الشخص الذي حكم المادة، أعطى أو اعطت من وقته/ا للمقالة، قد توافقهم أو لا، ولكن تذكر هذا الأمر يخفف ويساعد في تقبل الرفض.
  4. تحديد وقت محدد للتعامل مع الرفض والحزن عليه. مثلا، إذا غضبت من رأي المحكمين والمحررين في مقالة،أقول لنفسي معي ربع حتى نصف ساعة للحزن والغضب، بعدها أضع خطة لتحسين المادة ونقلها لمكان آخر أو بناء استراتيجية أخرى لكتابتها.
  5. محاولة التقليل من استخدام التكنولوجيا في حالة كان لدي مشروع كتابي كبير ووضع حالة الطيران في الهاتف للتركيز (Airplane mode). واتباع طريقة البومودورو (حتى جزئيا).
    How to toggle Airplane mode on Apple Watch
  6. في بداية طريقي في دراستي، أعطاني أحدهم، دفترًا صغيرًا، ونصحني، “احملي  دفترًا وقلمًا معك لكل مكان، أحيانًا تأتينا الأفكار من حيث لا تدرين، وفي زخم الحياة تضيع، لذلك كتاباتها يدويا مهم لتذكرها واستيعابها.” هناك أفكار دونتها بشكل عشوائي كهذا، أعود لها للاستلهام.
  7. أخيرًا، الرياضة والمشي للمساعدة على صفاء الذهن. لا يمكنني وصف أهمية هذا في تحسين التفكير. أحيانا أجد سيلا من الأفكار تتدفق خلال أو بعد المشي. فلذلك إما أسجلها صوتًا بالهاتف أو أدونها. المحافظة على روتين للرياضة أيضا صعب، ولكني أضعه أولوية خلال الأسبوع، فأحاول وضع أهداف واقعية كالمشي على الأقل خمسة آلاف خطوة، والتمرن بكثافة على الأقل مرة-مرتين، ودمج الحركة في فعاليات مثل المشي في الطبيعة أو لقاء العائلة والأصدقاء خلال فعاليات حركية. 

كلمة أخيرة، حول العامل النفسي:
أحيانا ينهار كل ما ذكر أعلاه من منظومة واستراتيجيات، في ظل الالتزامات البشرية وما تصفعنا به الحياة من مفاجئات، من تجارب فشل ورفض و صدمات حروب أو حتى موت. فلذلك، أذكر أنه وقبل كل شيء، من المهم أن نطور حصانة نفسية وأدوات تحفزنا على التفكير والمواصلة ورفع المعنويات والموازنة ما بين العمل والاجتماعيات والصحة النفسية. هذه أولوية بالنسبة لي، فلذلك أخصص لها أيضا وقتا، سواء من خلال الكتابة أو الفعاليات اليومية التي أنفس بها عن الضغوطات اليومية. لدي أيضا دفتر، أدون به ملاحظات حول الجوانب النفسية للعمل وأدوات للتعامل معها، أجمعها من مصادر مختلفة كالكتب والمحتوى الرقمي وتدوين ملاحظات من التفاعلات اليومية.